📁

كيف يُدَُمَّر الجيل الجديد ... بهدوء؟

هل يُثري هذا الإبحار الرقميّ المستمرّ حياة أبنائنا أم نحن نشهد جيلًا تائهًا في غياهب الشّاشات

كيف يُدَُمَّر الجيل الجديد ... بهدوء؟



الإدمان الرقمي |    ما نراه في هذه الصّورة ليس خيالًا، بل مشهد يوميّ يتكرّر بصمت في بيوت العالم كلّه.

في زمنٍ يتّسم بالاكتظاظ الرّقمي والتغيّرات المتسارعة، قد لا ننتبه إلى الطُّرُق الخفيّة التي تُعيد تشكيل وعي الإنسان، خاصةً عقول الأجيال القادمة. ماذا لو تكلّمنا عن مستقبل أبنائنا؟ ما هي ملامحه؟ ماهي أساليب تشكيله ، وسائل الرّاحة والرّفاهية التي تبدو بريئة في ظاهرها... لكنّها تهدم من الدّاخل؟

التّغيّرات المتسارعة و الطّرق الخفيّة

هذه التّغيّرات كما نلاحظ لا تدخل على النّاس بالعنف ولا بصوت الرّصاص. بل تأتي إليهم بهدوء، ملفوف في راحة وسهولة، يقع إغراؤهم بما يحبّونه، بعد ذلك يقع سلبُهم ما يحتاجون إليه دون أن يشعروا. تَجعلهم يتذوّقون كلّ اللذائذ السّريعة، بينما تتآكل فيهم القيم العميقة. أطفالنا ينعمون بتواصل مزيّف، ووحدة قاتلة، أبناؤنا يتوهّمون بأنّهم متّصلون، بلمسة شاشة ورسالة فوريّة، بينما الحقيقة أنّهم في أعماقهم أشدّ النّاس وحدة. غارقون في بحر من التّسلية التي لا تنتهي: مقاطع، ألعاب، مؤثّرات… لكنّ قلوبهم ستبقى فارغة، ينهشها صمت لا يُسمع.

انهيار المعنى وتمجيد الرّأي

سيمزّق الخط الفاصل بين الحقيقة والرّأي، أجعل كلّ شيء "نسبة وتناسب"، فلا تبقى معايير، ولا يثبت شيء على حال. يضيع الْمعنى، ويصبح الإنسان حائرًا لا يعرف ما يؤمن به، ولا من أين يبدأ و بطبيعة الحال إلى أن ينتهي. هي عبودية العصر الجديد، يعلّمونهم أنّ يركضوا وراء لحظة نشوة زائفة، وراء "الدوبامين" السّريع، وأن يعبدوا ذواتهم في العلن، بينما ينهارون داخليًّا. لا حاجة لحربٍ تسيل فيها الدماء، بل لامبالاةٌ تنخر الأرواح، وتُخدّر العقول. يكفي أن يُمضوا السّاعات يمرّرون الشاشات دون وعي.

تفكيك الأسرة وإرباك الأدوار

أعادوا تعريف العائلة، و جعلوا الأب مجرّد خيار، لا عمودًا للبيت. أُرهقوا الأمّ بهموم لا تُحتمل، وأُربكوا الطّفل بين هويّات متنازعة وقيم متضاربة. ثم تقدّم لهم "الحقيقة" في جرعات مُعلّبة، على أطباق من الفيديوهات القصيرة والمحتوى السّطحي. وضعوا أمامهم قدوات بلا قيمة، جعلوا لهم "نجومًا" يُتابَعون لا لِفَضَائِلِهم، بل لصَخَبهم وتفاهتهم. أُلبسوا الانحراف ثوب الحريّة، وزيّنوا التفاهة بلون الشّجاعة، وأعطوا الانكسار معنى البطولة. أسقطوا المعايير، وروّجوا لكلّ ما يُشوّه الفطرة.

محو القيم من الذاكرة

يسخرون من الفضائل، و يحوّلون الأخلاق إلى مجرّد "رأي شخصيّ". و حوّلوا القيم القديمة في خانة التخلّف، فصار الإنسان عموما تائهًا، بلا مرجعيّة، بلا نور. يعيش في دوّامة المقارنات، يُقاس بعدد الإعجابات، لا بقيمة ذاته. جعلوا لهم مرايا تُظهر الضعف بدل القوّة فصاروا يُحبّون من لا يعرفهم، ويكرهون أنفسهم كلّما واجهوا وجوههم في المرآة. عزلوهم عن النّور الكامن في دواخلهم، أبعدوهم عن الهدف السّامي الذي خُلقوا من أجله، والكرامة التي وُهِبوا إياها مجرّد كونهم بشرًا.

بمن يستعين هؤلاء

هم لا يعملون لوحدهم بل يستعينون بجنود لا يرتدون السّواد، بل يلبسون الحداثة والابتكار. وفيما يلي أبرز الأدوات المستخدمة في العصر الحديث:

  • 💻 التكنولوجيا بلا ضمير: عندما تُستخدم التكنولوجيا بلا وعي، تتحوّل من أداة للتقدّم إلى أداة للتّيْه. الخوارزميات و البرمجيات التي تُدمن، المنصّات التي تُغْرق، والمحتوى الذي يُشتِّت… كلها تخدم أجندتهم بلا أن تشعر.
  • 📱 المؤثّرون التافهون: من يصنعون المجد من الفراغ، ويتحوّلون إلى قدوات رغم فراغهم الدّاخليّ. الشّهرة عندهم لا تحتاج إلى فكر، بل إلى صخب وتكرار و اجترار.
  • 🛒 الثقافة الاستهلاكية: تُعلّم الطفل أن قيمته في مُعلّم الطّفل منذ صغره أن قيمته في ما يملك، لا في ما هو عليه. الإعلانات، الماركات، السّباق نحو المزيد… تغسل دماغه بهدوء، دون ضجيج.
  • 📺 إعلام بلا رسالة: هذا الإعلام الذي نراه يُهين القيم، ويُزيّن الانحراف، ويُسخّف دور الأسرة، و يحطّ من قيمة المراقي. لا يُقدّم الحقيقة، بل ما "يجذب".
  • 🏫 تعليم يقتل الفضول:نظام يخرّج نسخًا مكرّرة، لا عقولًا متسائلة. يُطفئ شغف الاكتشاف، يزرع الخوف من الخطأ، يعوّد على التّواكل، يحارب العتماد على الذّات و الاكتفاء بالحلول السّهلة.
  • 👪 والدان غائبان: حين يُترك الطّفل وحيدًا، يربّيه الإنترنت. حين يغيب الحنان، تملأه الشّاشة. فيكون التّدمير النّاعم هكذا، دون معارك، دون بنادق، يدمّرون الجيل بأكمله... بهدوء، براحة، وبابتسامة زائفة. لا حاجة إلى غزوٍ خارجي، بل إلى فراغ داخلي... و ذلك أخطر.

خيال سوداوي"ّ أم واقع صادق

كم نأمل أن تكون هذه الكلمات مجرّد خيال سوداويّ، بل دعوة صادقة للتأمّل في الواقع. في عصرٍ نُغرق فيه حواسّنا دون أن نرويَ أرواحنا، علينا أن نسأل: إلى أين نمضي؟ من يقود أفكارنا؟ وما الذي نقدّمه لعقول أبنائنا؟ ربّما لا يمكننا تغيير العالم كلّه، لكن يكفي أن نُشعل وعيًا، ونُوقظ روحًا... فالنّور يبدأ بشعلة صغيرة.

🔑 كلمات مفتاحية

اكتظاظ رقمّي الانترنت القيم العميقة التغيرات المتسارعة ألعاب التسلية الدوبامين تفكيك الأسرة التكنولوجيا المؤثرون التافهون الأولياء الغائبون
تعليقات